منتديات سبدو التربوية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى التعليمي التربوي الثقافي لدائرة سبدو ولاية تلمسان


    شرح قصيدة بانت سعاد

    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد الرسائل : 294
    العمر : 41
    نقاط : 36155
    تاريخ التسجيل : 23/12/2008

    شرح قصيدة بانت سعاد Empty شرح قصيدة بانت سعاد

    مُساهمة من طرف Admin الجمعة فبراير 26, 2010 3:18 pm

    بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ
    وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
    هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ
    تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ
    شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ
    تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ
    يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ
    لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ
    فَما تَدومُ عَلى حالٍ تَكونُ بِها كَما تَلَوَّنُ في أَثوابِها الغولُ
    وَما تَمَسَّكُ بِالوَصلِ الَّذي زَعَمَت إِلّا كَما تُمسِكُ الماءَ الغَرابيلُ
    كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ لَها مَثَلاً وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ
    أَرجو وَآمُلُ أَن يَعجَلنَ في أَبَدٍ وَما لَهُنَّ طِوالَ الدَهرِ تَعجيلُ
    فَلا يَغُرَّنَكَ ما مَنَّت وَما وَعَدَت إِنَّ الأَمانِيَ وَالأَحلامَ تَضليلُ
    أَمسَت سُعادُ بِأَرضٍ لا يُبَلِّغُها إِلّا العِتاقُ النَجيباتُ المَراسيلُ
    وَلَن يُبَلِّغها إِلّا عُذافِرَةٌ فيها عَلى الأَينِ إِرقالٌ وَتَبغيلُ
    مِن كُلِّ نَضّاخَةِ الذِفرى إِذا عَرِقَت عُرضَتُها طامِسُ الأَعلامِ مَجهولُ
    تَرمي الغُيوبَ بِعَينَي مُفرَدٍ لَهَقٍ إِذا تَوَقَدَتِ الحُزّانُ وَالميلُ
    ضَخمٌ مُقَلَّدُها فَعَمٌ مُقَيَّدُها في خَلقِها عَن بَناتِ الفَحلِ تَفضيلُ
    حَرفٌ أَخوها أَبوها مِن مُهَجَّنَةٍ وَعَمُّها خَالُها قَوداءُ شِمليلُ
    يَمشي القُرادُ عَلَيها ثُمَّ يُزلِقُهُ مِنها لَبانٌ وَأَقرابٌ زَهاليلُ
    عَيرانَةٌ قُذِفَت في اللَحمِ عَن عُرُضٍ مِرفَقُها عَن بَناتِ الزورِ مَفتولُ
    كَأَنَّ ما فاتَ عَينَيها وَمَذبَحَها مِن خَطمِها وَمِن اللَحيَينِ بَرطيلُ
    تَمُرُّ مِثلَ عَسيبِ النَخلِ ذا خُصَلٍ في غارِزٍ لَم تَخَوَّنَهُ الأَحاليلُ
    قَنواءُ في حُرَّتَيها لِلبَصيرِ بِها عِتقٌ مُبينٌ وَفي الخَدَّينِ تَسهيلُ
    تَخدي عَلى يَسَراتٍ وَهيَ لاحِقَةٌ ذَوابِلٌ وَقعُهُنُّ الأَرضَ تَحليلُ
    سُمرُ العُجاياتِ يَترُكنَ الحَصى زِيَماً لَم يَقِهِنَّ رُؤوسَ الأُكُمِ تَنعيلُ
    يَوماً يَظَلُّ بِهِ الحَرباءُ مُصطَخِماً كَأَنَّ ضاحِيَهُ بِالنارِ مَملولُ
    كَأَنَّ أَوبَ ذِراعَيها وَقَد عَرِقَت وَقَد تَلَفَّعَ بِالقورِ العَساقيلُ
    وَقالَ لِلقَومِ حاديهِم وَقَد جَعَلَت وُرقُ الجَنادِبِ يَركُضنَ الحَصى قيلوا
    شَدَّ النهارُ ذِراعاً عَيطلٍ نَصَفٍ قامَت فَجاوَبَها نُكدٌ مَثاكيلُ
    نَوّاحَةٌ رَخوَةُ الضَبعَين لَيسَ لَها لَمّا نَعى بِكرَها الناعونَ مَعقولُ
    تَفِري اللِبانَ بِكَفَّيها وَمِدرَعِها مُشَقَّقٌ عَن تَراقيها رَعابيلُ
    يَسعى الوُشاةُ بِجَنبَيها وَقَولُهُم إِنَّكَ يَا بنَ أَبي سُلمى لَمَقتولُ
    وَقالَ كُلُّ خَليلٍ كُنتُ آمُلُهُ لا أُلفِيَنَّكَ إِنّي عَنكَ مَشغولُ
    فَقُلتُ خَلّوا سبيلي لا أَبا لَكُمُ فَكُلُّ ما قَدَّرَ الرَحمَنُ مَفعولُ
    كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
    أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ
    مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ ال قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ
    لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم أُذِنب وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ
    لَقَد أَقومُ مَقاماً لَو يَقومُ بِهِ أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ
    لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ
    مازِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعاً جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ
    حَتّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ في كَفِّ ذي نَقِماتٍ قيلُهُ القيلُ
    لَذاكَ أَهَيبُ عِندي إِذ أُكَلِّمُهُ وَقيلَ إِنَّكَ مَسبورٌ وَمَسؤولُ
    مِن ضَيغَمٍ مِن ضِراءَ الأُسدِ مُخدِرَةً بِبَطنِ عَثَّرَ غيلٌ دونَهُ غيلُ
    يَغدو فَيَلحَمُ ضِرغامَين عَيشُهُما لَحمٌ مِنَ القَومِ مَعفورٌ خَراذيلُ
    إذا يُساوِرُ قِرناً لا يَحِلُّ لَهُ أَن يَترُكَ القِرنَ إِلّا وَهُوَ مَفلولُ
    مِنهُ تَظَلُّ حَميرُ الوَحشِ ضامِرَةً وَلا تُمَشّي بِواديهِ الأَراجيلُ
    وَلا يَزالُ بِواديِهِ أخَو ثِقَةٍ مُطَرَّحُ البَزِّ وَالدَرسانِ مَأكولُ
    إِنَّ الرَسولَ لَنورٌ يُستَضاءُ بِهِ مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ
    في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا
    زَالوا فَمازالَ أَنكاسٌ وَلا كُشُفٌ عِندَ اللِقاءِ وَلا ميلٌ مَعازيلُ
    شُمُّ العَرانينِ أَبطالٌ لَبوسُهُمُ مِن نَسجِ داوُدَ في الهَيجا سَرابيلُ
    بيضٌ سَوابِغُ قَد شُكَّت لَها حَلَقٌ كَأَنَّها حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ
    يَمشون مَشيَ الجِمالِ الزُهرِ يَعصِمُهُم ضَربٌ إِذا عَرَّدَ السودُ التَنابيلُ
    لا يَفرَحونَ إِذا نالَت رِماحُهُمُ قَوماً وَلَيسوا مَجازيعاً إِذا نيلوا
    لا يَقَعُ الطَعنُ إِلّا في نُحورِهِمُ ما إِن لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ
    الجزء الأول
    الإسعاد في شرح قصيدة بانت سعاد
    الإسعاد في شرح قصيدة "بانت سعاد" (2)
    للشاعر الصحابي الجليل كعب بن زهير
    محمد رسول الله الممدوح
    إعلم حفظك الله ورعاك أن الله قد خلق الإنسان ليعبده ، وجعل له من المدارك والجوارح ما يستعين بها على معرفته وسخر له باقي مخلوقاته وغيرها من الكائنات ليحمده، فأمره أن يخلص له في العبادة ويفرده بالوحدانية ويذكره سرا وعلانية، ويشكره عن الآلاء الكثيرة والنعم الجليلة التي لا تعد ولا تحصى عسى يقبله الله مع المقبولين ويفتح له أبواب السعادة يدخلها مع المأجورين ويكرمه بجنة النعيم مع المقربين.
    قال تعالى: "وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"{1} أي ليعرفون وقال أيضا: "فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم". {2}
    ولما كان على الإنسان وجوب معرفته تعالى وتحقيق عبوديته له، كان لابد عليه أن يعرف ما يجب في حقه سبحانه وما يجوز وما يستحيل ولا سبيل لمعرفة ذاك إلا بمعرفة خير خلقه الدال عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وكافة الخلق أجمعين إفرادا وإجمالا قال تعالى " الرحمان فاسأل به خبيرا". {3}

    فمعرفة حقوقه صلى الله عليه وسلم وصفاته الحميدة وفضائله المجيدة وشمائله الكريمة وخصائصه العظيمة وأقواله وأفعاله.. أساس كل سلوك، ومبلغ كل قصد، فليس بدونه فلاح ولا لآحد بلوغ أسباب نجاح إذا لم يتخذ رسول الله بغيته، ولم يجعله قبلته، وإن انقاد مع العقل يستعليه والهوى يسترضيه ونظر إلى رسول الله نظرة البشرية وألحق بها آراءه المادية فقد خاب وما أصاب ولا أفلح وصق، ذلك أن خيرالخلق لا يوفيه بيان ولايفهم عنه ومنه وبه إلا من أكرمهم الله بحبه سبحانه وحب نبيهم أكثر مما سواهما قال رب العزة في الحديث القدسي " لو جاءوني من كل طريق واستفتحوا علي من كل باب، ما فتح لهم حتى يأتوا خلفك يا محمد". {4}
    ففضل رسول الله ليس له حد فيعرب عنه ناطق بفم {5}
    فيتعين على المكلف المأمور باتباع أوامر الله عز وجل واجتناب نواهيه، أن يعرف رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك لأوجه عدة يتصل بعضها ببعض ويكمل بعضها بعضا نظما لعقد المحبة والصحبة والإتباع وتحليا بالأخلاق النبوية السمحة، وتبليغا لرسالة الإسلام الخالدة كما بلغا الحبيبب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

    - أولها أن معرفة صفاته عليه الصلاة والسلام الخلقية والخلقية سبيل إلى امتلاء القلب بتعظيمه وإكرامه وتوقيره وإجلاله فإن العين إذا قرت أحبت وإن أحبت اتبعت وسارت بذلك على درب المحبوب تقتفي أثره وتطلب رضاه دنيا وأخرى. وتعظيمه صلى الله عليه وسلم سبيل إلى تعظيم شريعته السمحاء وسنته الغراء ومحجته البيضاء ذلك أن حرمة الحديث هي على قدر حرمة المتحدث به. قال عليه الصلاة والسلام: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي" {6} وقال أيضا: "من أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة" {7} وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ". {8}

    وتعظيم شريعته سبيل إلى العمل بها، والسبق و المسارعة للتحلي بها وذلك معنى من معاني الإتباع والإقتداء (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).{9}

    والقلب المعظم لرسول الله صلى الله عليه وسلم له أحوال ظاهرة وباطنة :

    1- فمنها أن يكون متحريا عن كل شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتيه وليعمل به، وليجعله ديدنه، لكي يكون خير مقتد لخير أسوة، وخير خلف لخير سلف. وعن كل شيء لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجتنبه ويبتعد عنه بعد المشرقين فيكون مسيره ووقوفه معه ويكون حرصه على الموافقة مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون اتباعه اتباعا بحق ولزومه لغرزه بصدق قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما " الزم غرزه فأني أشهد أنه رسول الله ". {10}

    2- ومنها أن يكون متخلقا بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتصفا بصفاته "وأنى له!!" يسعى للتقرب إلى الله بالإهتداء والإقتداء، فليس تراه فحاشا ولا سبابا ولا عيابا ولا متكبرا، ولست تراه إلا كريما جوادا، متواضعا لله، يسبق حلمه غضبه وتسع رحمته الخلق فلا يرى فيهم إلا قضاء الله يجري وحكمته سبحانه وتصريفه .. قال تعالى وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {11} وفي حديث أنس رضي الله عنه قال" كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا ". {12}

    3- ومنها أن يكون قدوة لمن وراءه، مؤتمنا على دين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مبلغا أحسن تبليغ، شاهدا بحضوره مع الناس، داعيا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والخطاب اللين والسمت الحسن ومنتهى الأدب. فلا يكون سيفا مصلتا على الرقاب يفسق ويكفر ولا يأمر الناس إلا بما يعمله هو. قال تعالى " أتآمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وانتم تتلون الكتاب" {13} وقال أيضا (فبهداهم اقتد). {14}



    تعصي الإله وأنت تظهر حبــــه هـــذا محــال في القياس بديـع

    لـــو كــــان حبك صادقاً لأطعتـه إن المحب لمــن يحب مطيــــع

    في كل يومٍ يبتديـك بنعمـةٍ منــه وأنت لشكـر ذاك مضيع {15}

    4- ومنها أن يكون زاهدا في أمور الدنيا طالب للآخرة راغب في ما عند الله كما كان حبيبه صلى الله عليه وسلم الذي خيّره الله أن يكون ملكا نبيا أو عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا، فمظاهر زهده عليه الصلاة والسلام في الدنيا متعدده روتها أحاديث كثيرة منها ما رواه ابن عباس رضي الله عنه حيث قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاءاً، وكان أكثر خبزهم الشعير) {16} وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مزمول بالشريط وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف ودخل عمر وناس من الصحابة فانحرف النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عمر أثر الشريط في جنبه فبكى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا عمر قال: ومالي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا وأنت على الحال الذي أرى فقال يا عمر: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قال : بلى قال: هو كذلك) {17} والمعظم الزاهد في الدنيا يجعل الآخرة نصب عينيه، ويتذكر السؤال عن النعم، وعن شكرها بالقلب واللسان، بالسر وبالعلن، دائما يقينه فيما عند الله أكبر من يقينه مما في يديه، تهون عنده الدنيا وتصغر قيمتها ويعطي كل ذي حق حقه، ويسأل الله كفافا وسترا وعدم مد اليد مفتقرا إلىيه متوكلا عليه مستغنيا به عمن سواه، محبا له بإعداده للبلاء جلبابا ومحبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بإعداداه للفقر جلبابا. والفقر إلى الله افتقار إليه ورجوع وأوبة و ليس تكلفت واصطناعا فكم من قلب مدع التقشف والزهد في الدنيا و هو بها متعلق وهي عنده حاضرة في كل كلمة وفكرة وخطرة . والله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.



    ظلمتُ سنَّةَ مـنْ أحيـا الظـلام إلـــى إنِ اشتكتْ قدماه الضـــــــرَ من ورمِ

    وشدَّ مــــن سغبٍ أحشاءه وطـــوى تحت الحجارة كشْحـــاً مترف الأدمِ

    وراودتْه الجبالُ الشـمُ من ذهــــــبٍ عن نفسه فــــأراهــا أيمـــا شــــمـــمِ

    وأكدتْ زهده فيها ضـرورتُــــــــــه إنَّ الضرورة لا تعـــــدو على العِصَمِ

    وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورةُ مـنْ لولاه لم تُخْرجِ الدنيـــــا من العـــــدمِ

    محمد سيـد الكـونيــن والـثـقـليـــــن والفريقين من عُرْب ومنْ عجــمِ {18}



    5- ومنها ألا يتحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة و وضوء وأن يعظم كلامه كما عظمه الله من فوق سبع سماوات حيث قال "وما ينطق عن الهوى". {19}



    محمد طاهر وساتر التهم {20}

    6- ومنها أن يعظم آل بيت رسول الله ويحبهم ويكرمهم ما استطاع، ففي حبهم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رضاهم رضاه قال عليه الصلاة والسلام " ‏إنما ‏‏فاطمة ‏ ‏بضعة ‏ ‏مني يؤذيني ما آذاها‏ ‏وينصبني ما أنصبها" {21} وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وأنا تارك فيكم ثقلين أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ثمّ قال: وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي) {22}. وقال الشعبي: صلى زيد بن أرقم على جنازة أمه ثم قربت إليه بغلة ليركبها، فجاء عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فأخذ بركابه – أي يمسك ركاب البغلة لزيد بن ثابت رضي الله عنه، فقال له زيد: خلِّ عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عبد الله بن عباس: هكذا نفعل بعلمائنا، فنزل زيد من على بغلته وقبل يد عبد الله بن العباس، وقال هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. {23}



    يا آل بيت رســـــول الله حبكـم فرض من الله فـــي القـــرآن أنزله

    يكفيكم من عظيم الفخـــر أنكـم من لم يصل عليكم لا صلاة له {24}



    7- ومنها أن يرى هائما في رسول الله منقطعا إليه لا يشغله عنه شاغل ولا يلتفت عنه إلى سواه وهذا مقام حضور وشهود أعطاه الله خاصة أوليائه وأصفيائه الذين اجتمعت حركاتهم وسكناتهم وفكرهم وذكرهم في رسول الله الأعظم الاكرم.



    وتـأخـذ قلبي نـشوة عند ذكركم كما ارتاح صـب خامرته خمور

    أصوم عن الأغيار قطعا ً وذكركم سحور لصومي في الهوى وفطور

    ومدح رسول الله أصل سـعادـتي أفـوز بـه يـوم السماء تـمور

    نبي تـقـي أريـحـي ّ مـهـذب بـشـيـر لـكـل العالمين نذير

    إذ ذكـر ارتاحـت قـلوب لذكـره وطابت نفوس وانشرحن صدور{25}



    - ثانيها أن معرفة صفاته عليه الصلاة والسلام إبراز لصور جماله وجلاله، وإدراك لمنتهى صنع الكمال في حقه عليه الصلاة والسلام وذكر لحسنه الفائق ووجهه الرائق وذوقه الراقي وأدب معاشرته وحسن ملاطفته وكل ذلك وسيلة إلى محبته ومسلك إلى حسن صحبته صلى الله عليه وسلم فلا حسن يماثل حسنه عليه السلام ولا خلق ولا خلق.

    ‏فعن ‏ ‏أنس بن مالك أن رجلا سأل النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏متى الساعة يا رسول الله قال ما أعددت لها قال ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال ‏ ‏أنت مع من أحببت" {26} وقال أيضا " ما اختلط حبي بقلب أحد فأحبني إلا حرم الله جسده على النار ". {27}



    فقد حكى الثعالبي "عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان شديد الحب له قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه يعرف في وجهه الحزن فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : يا ثوبان ما غيّر لونك فقال يا رسول الله مابي صبر ولا وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك هناك لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين وأني إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك وإن لم أدخل فذلك حين لا أراك أبداً" {28} فأنزل الله هذه الآية: "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ". {29}



    - ثالثهما أن معرفة صفاته عليه الصلاة والسلام خدمة لشخصه صلى الله عليه وسلم وتعلق بجنابه الشريف ولزوم لأعتابه ونزول عند بابه لكي يحصل الإنتساب الشريف ويحظى به القلب الشغوف كما حظي به سلمان الفارسي رضي الله عنه.
    حسانين أبو عمرو
    20/05/08, 21:17
    بانت سعاد فقلبي اليوم متبول = لكعب بن زهير رضي الله عنه - دراسة وتحليل

    --------------------------------------------------------------------------------

    بانت سعاد" في مدح الرسول



    بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ مُتيَّمٌ إثرها لم يفد مكبولُ

    وما سعاد غداةَ البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول

    أرجو وآمل أن تدنو مودتها وما إخال لدينا منك تنويل

    **

    نُبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول

    لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل

    إن الرسول لنور يُستضاء به مهند من سيوف الله مسلول

    **

    في عصبةٍ من قريش قال قائلهم ببطن مكة لما أسلموا زولوا

    لا يقع الطعن إلا في نحورهم وما لهم عن حياض الموت تهليل

    هذه بعض أبيات القصيدة العصماء التي أتى بها كعب بن زهير بن أبي سلمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسلمًا وتائبًا عَمَّا كان منه من هجاء للمسلمين، وقد عرفت تلك القصيدة في تاريخ الأدب العربي بـ"البردة" لأن الرسول –عليه الصلاة والسلام- عندما سمعها استحسنها وخلع على كعبٍ بردته لتكون وسامًا لكعب على قصيدته التي أصبحت مَعلمًا، نحاول في عجالة استعراض أهميتها وأثرها:

    1 - قصيدة "بانت سعاد" تكتسب أهميتها من ملابساتها التاريخية بما يفوق قيمتها الفنية التي لا نشكك فيها بالطبع، ولكنها تندرج في إطار القوالب العامة لقصائد الشعر الجاهلي؛ حيث حملت من أغراضه الغزل والنسيب والوصف والحماسة والمدح والاعتذار والحِكَم والأمثال، ومن ملامحه فخامة الألفاظ وقوة الجرس الموسيقي، وتسودها ملامح الحياة الصحراوية فترى فيها الرياح والرمال والجمال والسيوف. وهنا ملاحظة لطيفة وهي أن مؤرخي الشعر العربي يقولون: إن الشعر العباسي كان شعرًا نباتيًّا لما فيه من وصف الورود والخمائل والرياحين والبساتين، بينما الشعر الجاهلي كان حيوانيًّا؛ لما يكثر فيه من ذكر الخيول والجمال والظباء والكلاب..إلخ. ويكفي أن تعلم أن هذه القصيدة التي يبلغ عدد أبياتها ستين بيتًا كان نصيب الإبل منها عشرين بيتًا أي الثُلث، فإذا أضفنا ما ذكر فيها من حيوانات أخرى -كالفيل والأسد والظبي وغيرها- لكانت قصيدة "بانت سعاد" مصداقًا لهذه المقولة.. كما ننوه بأن هذه القصيدة على وزنٍ من أكثر الأوزان شيوعًا عند شعراء الجاهلية وصدر الإسلام وهو بحر البسيط ووزنه (مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن) وقد نظم الشهابي هذا الوزن بقوله:"إذا بسطت يدي أدعو على فئةٍ .. لاموا عليك عسى تخلوا أماكنهم .. مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن .. فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم".

    2 - قبل أن نتكلم عن تأثير القصيدة، نتكلم عن تأثرها. فإن "بانت سعاد" تمثل نمط القصيدة الجاهلية، كما أنها متأثرة أيضًا بصورة مباشرة بعدد من قصائد الشعراء السابقين والمعاصرين لكعب بن زهير فللأعشى قصيدة يقول مطلعها: بانت سعاد وأمسى حبلها رابا .. وأحدث النأي لي شوقًا وأوصابا. وللنابغة الذبياني قصيدة يقول فيها: بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما.. واحتلت الشرع فالأجزاع من إضما. ولطفيل الغنوي لامية يصف فيها محبوبته "شماء" بصفاتٍ تتطابق مع صفات سعاد كعب حيث يقول:

    هل حبل شماء قبل البين موصول .. أم ليس للصرم عن شماء معدول

    إذ هي أحوى من الربعي حاجبه .. والعين بالإثمد الحاري مكحول

    إن تمسِ قد سمعت قيل الوشاة بنا .. وكل ما نطق الواشون تضليل

    فما تجود بموعود فتنجزه .. أم لا فيأسٌ وإعراض وتجميلُ

    ولا نريد الاسترسال في هذا الميدان الذي تكثر فيه الشواهد؛ لأن التأثير المتبادل بين شعراء العصر الواحد ظاهرة محسوسة تمليها طبائع الأمور؛ حيث تتشابه البيئة وتشترك التجارب وتفرض الأوزان والقوافي صبغتها على الموضوعات.

    3 - "بانت سعاد" تتفرد بين فرائد الشعر العربي بما أحدثته من تأثير على مر العصور. وظهر هذا التأثير في حرص عشرات الشعراء، إما على معارضة القصيدة أو الاستفادة من صورها أو ألفاظها حتى تكونت مكتبة شعرية وافرة وثرية بتأثير قصيدة كعب. ومن أشهر قصائد المدائح النبوية التي عارضت "بانت سعاد" لامية الحميدي التي مطلعها:

    بانت سُليمى ففكر الصب مشغول . . وقلبه من لظى الهجران مشغول
    ولامية عبد الرحمن بن حسن:

    لي في الهوى مذهبٌ ما عنه تحويل .. وما لحبي تغيير وتبديل

    ولامية النابلسي:

    هل في البروق عن الأحباب تعليل .. لا والذي ماله في الحكم تعليلُ

    أما أشهر هذه المعارضات فهي لامية البوصيري التي يقول مطلعها:

    إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسئول

    فقد أشار في قصيدته إلى أنه يعارض بها قصيدة كعب، وأنه وإن وازن بها قوله فإنها لا تعادله في حسنه ولا تناظره، إلا كما تناظر المثاقيل ما يوزن بها من الدر، وهذا معنى جميل لم يسبقه إليه أحد إذ يقول:

    لم أنتحلها ولم أغصب معانيها .. وغير مدحك مغصوب ومنحول

    وما على قول كعبٍ أن توازنه .. فربما وازن الدرَّ المثاقيلُ

    وهل تعادله حسنًا ومنطقها .. عن منطق العرب العرباء معدول

    ثم يقول بعد هذه الأبيات: إنه لما كان غرضهما واحدًا -وهو مدح الرسول (ص)- فلا بأس من أن يغلبه كعب، فهو إنما يقفو أثره للبركة التي نالته بسببها؛ حيث استحق بها عفو الممدوح وصان بها دمه:

    وحيث كنا معًا نرمي إلى غرضٍ .. فحبذا ناضلٌ منا ومنضولُ

    إن أقف آثاره إني الغداة بها .. على طريق نجاحٍ منك مدلولُ

    لما غفرت له ذنبًا وصنت دمًا .. لولا ذمامك أضحى وهو مطلولُ

    رجوت غفران ذنبٍ موجبٍ تلفي .. له من النفس إملاءٌ وتسويل

    4 – هناك أيضًا من هذه الألوان التأثير العلمي في ميدان الأدب والثقافة الإسلامية، ويتمثل في المؤلفات التي خصصت على مر العصور لشرح قصيدة "بانت سعاد" والتي بلغت عددًا كبيرًا تناثرت وتفرقت في مكتبات العالم بين المخطوط والمطبوع، ولم يبق منه سوى الذكر. على أية حال؛ فالمتوافر الآن من هذه الشروح حوالي خمسين، اختلفت في منطلقها ومنظورها إلى القصيدة؛ فمنها الشروح اللغوية مثل شرحِ السكري وشرح الخطيب التبريزي وشرح الأنباري وغيرها... والشروح النحوية كشرح البغدادي وشرح ابن هشام وغيرهما ... والشروح الأدبية وأهمها شرح السيوطي المسمى "كنه المراد في بيان بانت سعاد" وشرح جمال الدين بن هشام، ثم الشروح التي جنحت إلى النهج الصوفي مثل شرح الشيخ القدسي "الإسعاد في تحقيق بانت سعاد" وكذلك شرح محمد القاري وغيرهما... ولكم أن تتخيلوا حجم ما أضافته هذه الشروح للمكتبة العربية من مسائل وشواهد وآراء.

    5 – من الأثر الشعري للقصيدة نجد، بالإضافة للمعارضة، تشطير أبيات القصيدة وتخميسها، ومن التشطير قول الشاعر:

    بانت سعاد فقلبي اليوم متبول .. مدله حائرٌ والعقل معقول

    معذبٌ في هواها هائمٌ دنِفٌ .. متيمٌ إثرها لم يفد مكبولُ

    ومن التخميس قول الشاعر:

    قلبي على حب من أهواه مجبول .. ونقل شوقي لدى العشاق مقبول

    يا لائمي خلني فالعقل مخبول … .. بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

    متيمٌ إثرها لم يفد مكبول
    فإذا انتقلنا إلى الطرائف الأدبية والمُلح الشعرية نجد العديد من أرباب الفنون قد وظفوا القصيدة لنظم علومهم؛ فعلى سبيل المثال نظم بعض علماء مصطلح الحديث:

    يا من حديث غرامي في محبتهم .. مسلسل وفؤادي منه معلولُ

    حبي صحيحٌ ومقطوعٌ به ألمي .. عشقي حديثٌ قديم فيك منقول

    ونظم بعض علماء النحو:

    إن ميزوني بعطفٍ فهو بغيتهم .. وإن هم خفضوا دمعي فمحمول

    هم عرفوني وكان الحال نكرني .. فكيف أصرف وجدي وهو معدولُ

    وهناك من استعرض سور القرآن الكريم من خلال لامية معارضةٍ لكعب فكان مما قال:

    تجمعوا زمرًا في كل واقعةٍ .. إلى القتال وجيش الكفر مخذولُ

    وبالحديد فكم أبدوا مجادلةً .. للكافرين وسيف البغي مفلول
    حسانين أبو عمرو
    20/05/08, 21:18
    تبارك الله سبحان الإله لقد .. وافاه بالنصر عند الصف جبريلُ

    والحقيقة أن التوسع في ذكر الأمثلة يحتاج إلى مجلدات، ولكن لا يفوتني هنا -من باب الدعابة – أن أنقل للمشاهد مثالاً لقصيدة لامية شطر فيها "الخفاجي" "بانت سعاد" وحشد في تشطيره ألفاظًا معجميةً غريبة فكان مما قال :

    ولن يبلغها إلا عذافرةٌ صلخدمٌ عسلٌ سجحاء عيهول

    قصية شيظمٌ علطوس ساهمةٌ لها على الأين إرقالٌ وتبغيلُ

    غلباء وجناء علكوم مذكرةٌ عرفاس عرمس ما في اللحم ترهيل

    هرجاب مائرة الضبعين عجلزةٌ في خلقها عن بنات الفحل تفضيل

    6 – هناك شبهة مثارة حول العاطفة الدينية والروح الإسلامية لكعب بن زهير ومصدر إثارتها سببان: الأول المقارنة بينه وبين سائر شعراء الرسول -صلى الله عليه وسلم- كحسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما وهذه مقارنة غير منصفة لكعب، فهؤلاء من أصحاب السبق والصحبة أسلموا مبكرًا واقتربوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبوه طويلا وشهدوا مواقع الإسلام الكبرى وعاصروا نزول القرآن وأنشدوا الكثير من الأشعار التي تؤرخ لعصر النبوة، كانت العقيدة روحها، أما كعب فقد تأخر إسلامه إلى ما بعد الفتح، فلم ينل مثل ما نالوه من الشرف والرفعة، ولم يُتح له أن يسهم مثلما أسهموا بشعرهم في الدفاع عن الإسلام وبيان مبادئه.

    أما السبب الثاني لهذه الشبهة فهو أن هؤلاء النقاد يحكمون على كعب فقط من خلال لاميته "بانت سعاد" بينما الرجل له أشعار أخرى تؤكد عاطفته الدينية؛ فهو القائل:

    فأقسمت بالرحمن لا شيء غيره .. يمين امرئٍ برٍ ولا أتحللُ

    لأستشعرن أعلى دريسي مسلمًا .. لوجه الذي يحيي الأنام ويقتل

    ويقول:

    أعلم أني متى ما يأتني قدري .. فليس يحبسه شحٌ ولا شفقُ

    وقوله:

    لعمرك - لولا رحمة الله- إنني .. لأمطو بجدٍ ما يريد ليرفعا

    كما أن البردة نفسها لا تخلو من تعبيراتٍ ومضامين إسلامية في مواطن عدة على رأسها تكرار وصفه ومناداته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وكان مقام الاعتذار والاسترحام يقتضي -ما لم يكن مؤمنًا صادقًا- أن يقول يا سيد العرب أو يا سيد قريش .. ثم انظر إلى حديثه عن القدر في قوله:

    كل ابن أنثى وإن طالت سلامته .. يومًا على آلة حدباء محمول
    وقوله:

    "فكل ما قدر الرحمن مفعول"
    وحديثه عن جهاد الصحابة في عدة مواطن منها:

    إن الرسول لسيف يُستضاء به.. مُهند من سيوف الله مسلول
    وتعرجه على ذكر الهجرة النبوية المباركة بقوله:

    في عصبةٍ من قريشٍ قال قائلهم .. ببطن مكة لما أسلموا زولوا
    هذه فقط بعض الأدلة على بطلان الشبهة التي تقدح في حسن إسلام كعب بن زهيرٍ
    رضي الله عنه_.

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين أبريل 29, 2024 3:58 pm